كيف تؤثر الدهون المشبعة على صحة المعدة؟

تُعد الدهون من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الحيوية، إلا أن طبيعة هذه الدهون تختلف من نوع إلى آخر. ومن بين الأنواع المعروفة، نجد الدهون المشبعة ، وهي دهون غالبًا ما تكون صلبة في درجة حرارة الغرفة، وتوجد بكثرة في المنتجات الحيوانية مثل الزبدة، والسمن النباتي، واللحوم الدسمة، بالإضافة إلى بعض الزيوت النباتية مثل زيت جوز الهند وزيت النخيل.
على الرغم من انتشار استهلاك هذه الدهون في العديد من الأنظمة الغذائية حول العالم، إلا أنها أصبحت محط جدل بين الخبراء والمختصين بسبب تأثيراتها السلبية المحتملة على الصحة، خاصة فيما يتعلق بالصحة القلبية. لكن قليلًا ما يتم الحديث عن تأثير الدهون المشبعة على الجهاز الهضمي، وخاصةً المعدة .
في هذه المقالة، سنقدم لك شرحًا شاملًا ومفصلًا حول كيفية تأثير الدهون المشبعة على صحة المعدة ، مع تسليط الضوء على الآليات البيولوجية التي تتحكم في هذا التأثير، والأعراض المحتملة لزيادة استهلاكها، وأفضل السبل لتقليل ضررها.
أولاً: ما هي الدهون المشبعة؟
قبل الخوض في تفاصيل تأثيرها على المعدة، من المهم فهم ما هي الدهون المشبعة ولماذا تُصنَّف على أنها “غير صحية” في كثير من الأحيان.
الدهون المشبعة هي نوع من الدهون التي لا تحتوي على أي روابط ثنائية بين ذرات الكربون في سلسلة الجزيء، مما يجعلها أكثر استقرارًا كيميائيًا، ويمنحها خاصية الصلابة عند درجة حرارة الغرفة.
أمثلة على مصادر الدهون المشبعة:
- الزبدة
- القشدة
- الجبن كامل الدسم
- اللحوم الحمراء (خاصة الدهنية منها)
- الشورما والمقليات
- الحلويات والمعجنات المصنوعة باستخدام السمن أو الزبد
- زيت جوز الهند وزيت النخيل
ثانيًا: كيف تعالج المعدة الدهون المشبعة بعد تناولها؟
عند تناول الطعام الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، تبدأ عملية هضمه منذ الدخول إلى الجهاز الهضمي، ومع أن المعدة ليست المكان الرئيسي لهضم الدهون، إلا أنها تلعب دورًا مهمًا في إعداد الطعام لبقية الجهاز الهضمي.
الخطوات التي تمر بها الدهون المشبعة داخل الجهاز الهضمي:
- في المعدة:
- يتم خلط الطعام بالعصارات الهضمية، خاصة حمض الهيدروكلوريك وإنزيم الببسين.
- رغم أن المعدة لا تهضم الدهون بشكل مباشر، فإن وجود الدهون المشبعة يبطئ من عملية إفراغ المعدة، مما يؤدي إلى الشعور بالامتلاء لفترة أطول.
- قد يسبب ذلك أحيانًا الإحساس بالثقل أو الانزعاج في المعدة ، خاصة إذا كان الاستهلاك كبيرًا.
- في الإثنى عشر (الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة):
- تبدأ عملية الهضم الفعلي للدهون هنا، حيث يفرز البنكرياس إنزيم الليباز المسؤول عن تكسير الدهون.
- تُفرز الصفراء من الكبد عبر المرارة لتساعد في تكسير الدهون إلى جزيئات أصغر (تُعرف بـ Micelles).
- امتصاص الدهون في الأمعاء الدقيقة:
- تُمتص الدهون المهضومة عبر الجدار المعوي، ثم تدخل إلى الدورة الدموية أو الجهاز الليمفاوي حسب نوع الدهون.
ثالثًا: هل تسبب الدهون المشبعة مشاكل للمعدة؟
الإجابة باختصار: قد تسبب بعض المشكلات في حال الإفراط في استهلاكها، خاصة لدى بعض الفئات .
1. تباطؤ في إفراغ المعدة
الدهون المشبعة تُعتبر من المواد التي تستغرق وقتًا أطول في الهضم، وقد تؤدي إلى تأخير إفراغ المعدة، مما ينتج عنه:
- الشعور بالامتلاء لفترة طويلة.
- ثقل في المعدة.
- احتمالية حدوث انتفاخ أو غثيان خفيف.
2. زيادة إفراز العصارات الهضمية
تحتاج المعدة إلى إفراز كميات أكبر من العصارات الهضمية للتعامل مع الأطعمة الدهنية، وهذا قد يؤدي إلى:
- زيادة إنتاج حمض المعدة.
- احتمال التعرض لارتجاع المريء أو الحموضة.
- تهيج بطانة المعدة لدى الأشخاص الذين يعانون من حساسية معدية.
3. زيادة خطر الإصابة بالتهابات المعدة
بعض الدراسات أشارت إلى أن النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة قد يسهم في تغيير تركيبة البكتيريا المعوية (Microbiome)، مما يؤثر على صحة الجهاز الهضمي ككل، ويمكن أن يؤدي إلى:
- اضطرابات في الهضم.
- زيادة الالتهابات المزمنة في الأمعاء.
- تفاقم حالات مثل متلازمة القولون العصبي.
رابعًا: من الأكثر عرضة لمشكلات المعدة بسبب الدهون المشبعة؟
بعض الفئات من الناس تكون أكثر حساسية لتأثيرات الدهون المشبعة على الجهاز الهضمي، ومنهم:
1. الأشخاص المصابون بأمراض المعدة مثل القرحة أو التهاب المعدة
لدى هؤلاء الأشخاص، يكون جدار المعدة أكثر عرضة للتلف، واستهلاك الأطعمة الدهنية يمكن أن يزيد من إفراز الحمض، مما يُفاقم من الأعراض.
2. مرضى الحصى المرارية أو الذين خضعوا لاستئصال المرارة
الصفراء ضرورية لهضم الدهون، وإذا كانت هناك مشكلة في مرارة الإنسان، فقد يواجه صعوبة في التعامل مع الدهون المشبعة، مما ينعكس على المعدة والأمعاء.
3. الأشخاص الذين لديهم حساسية تجاه الدهون
بعض الأشخاص يعانون من عدم تحمل الدهون، وفي هذه الحالة، حتى كميات صغيرة من الدهون المشبعة قد تسبب أعراضًا مثل:
- آلام في البطن.
- غثيان.
- إسهال.
خامسًا: كيف يمكنك تقليل تأثير الدهون المشبعة على معدتك؟
رغم أن الدهون المشبعة ليست “ضارّة” بنسبة 100%، إلا أن الاعتدال في استهلاكها هو المفتاح . وإليك بعض النصائح العملية:
1. الحد من الكميات
- تجنب الأطعمة المليئة بالدهون المشبعة، خاصة في الوجبات الرئيسية.
- استبدل الزبدة بالزيوت غير المشبعة مثل زيت الزيتون أو الذرة.
2. تناول الدهون المشبعة مع أطعمة أخرى مغذية
- قلل من استهلاكها مع الأطعمة الغنية بالسكريات أو النشا، لأن هذا المزيج قد يزيد من العبء على الجهاز الهضمي.
- ادمجها مع الخضروات الطازجة أو الحبوب الكاملة لتحسين الهضم.
3. التدرج في التغييرات الغذائية
- لا تقم بتغيير نظامك الغذائي بشكل مفاجئ، بل اجعل التغيير تدريجيًا.
- استشر أخصائي تغذية إذا كنت تعاني من مشاكل مزمنة في المعدة.
4. الاهتمام بالوقت بين الوجبات
- أعطِ جسمك الوقت الكافي لهضم الدهون قبل تناول وجبة جديدة.
- تجنب الأكل بشكل متكرر دون فواصل زمنية واضحة.
5. الاعتماد على طرق طهي صحية
- بدلًا من القلي، اعتمد على الشوي أو التبخير أو الطبخ على البخار.
- قلل من استخدام الزبدة أو السمن أثناء الطهي.
سادسًا: هل كل الدهون المشبعة سيئة؟
من المهم أن نوضح أن الدهون المشبعة ليست جميعها ضارة بنفس الدرجة . فبعضها قد يكون له تأثير أقل ضررًا على الصحة، خاصة إذا تم تناوله باعتدال.
أمثلة على دهون مشبعة أقل ضررًا:
- دهون الأفوكادو : تحتوي على نسبة من الدهون غير المشبعة، لكنها أيضًا تحتوي على بعض المشبعة.
- دهون جوز الهند : تحتوي على أحماض دهنية متوسطة السلسلة (MCTs) التي قد تكون أسهل في الهضم.
لكن هذا لا يعني أن بإمكانك تناولها بكميات كبيرة، بل يجب النظر إليها ضمن إطار النظام الغذائي المتوازن.
سابعًا: ماذا يقول العلم عن العلاقة بين الدهون المشبعة وصحة المعدة؟
رغم أن معظم الدراسات تركز على تأثير الدهون المشبعة على القلب والكوليسترول، إلا أن هناك عددًا متزايدًا من الأبحاث التي تشير إلى تأثيرها على الجهاز الهضمي.
من أبرز الاستنتاجات العلمية:
- زيادة استهلاك الدهون المشبعة قد ترتبط بتغيرات في الميكروبيوم المعوي ، مما يؤثر على صحة الأمعاء والمعدة.
- الأنظمة الغذائية الغربية ، الغنية بالدهون المشبعة والسكريات، تُعد أحد عوامل خطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي.
- الدهون غير المشبعة (مثل أولئك الموجودة في الأسماك والمكسرات) تُظهر تأثيرات إيجابية على صحة الجهاز الهضمي.