كيف تؤثر السمنة على صحة العظام؟

في السنوات الأخيرة، أصبحت السمنة واحدة من أبرز القضايا الصحية التي تواجه العالم، ليس فقط بسبب تأثيرها على الشكل الخارجي أو المظهر الجسدي، بل لدورها الكبير في التسبب أو التأثير السلبي على العديد من الأمراض المزمنة. ورغم أن الحديث غالبًا يدور حول تأثير السمنة على القلب، الكبد، والسكري، إلا أن علاقة السمنة بصحة العظام لا تقل أهمية، بل قد تكون أقل فهمًا بين الناس.

العظام ليست فقط هيكل الجسم الداعم، بل تلعب دورًا حيويًا في الحركة، التوازن، تخزين المعادن، وإنتاج خلايا الدم. ومع ازدياد الوزن، تتعرض هذه العظام إلى ضغط متزايد، مما يؤدي إلى تغييرات في بنيتها ووظائفها، وقد يتطور ذلك إلى مشاكل صحية مزمنة ومُعَوِّقة.

في هذا المقال، سنلقي الضوء على العلاقة الحقيقية بين السمنة وصحة العظام، وكيف تؤثر زيادة الوزن على الجهاز العضلي الهيكلي، وما هي المخاطر المرتبطة بها، بالإضافة إلى الخطوات التي يمكن اتخاذها للوقاية وتحسين صحة العظام.

ما العلاقة بين السمنة وصحة العظام؟

قد يبدو الأمر غير منطقي للبعض، لكن السمنة لا تعني بالضرورة وجود كثافة عظمية أعلى أو عظام أقوى. في الواقع، فإن وزن الجسم الزائد يمثل عبئًا إضافيًا على العظام والمفاصل ، ويؤدي إلى مجموعة من التغيرات الفسيولوجية والهيكلية التي تهدد صحتها على المدى الطويل.

1. زيادة الضغط على العظام والمفاصل

العظام، خاصة في الأطراف السفلية مثل القدمين والركبتين والفخذين، تحمل وزن الجسم أثناء الوقوف والمشي والحركة. مع زيادة الوزن، يتضاعف الحمل الذي تتحمله هذه العظام، مما يؤدي إلى:

  • ارتشاح المفاصل : حيث يزيد الاحتكاك بين نهايات العظام.
  • تآكل الغضاريف : وهي الطبقة الواقية التي تمنع احتكاك العظام بعضها ببعض.
  • حدوث تشوهات هيكلية : مثل انحناء الركبتين (Genu Varum) لدى الأطفال ذوي السمنة الشديدة.

وبمرور الوقت، قد يؤدي هذا إلى الإصابة بأمراض مثل **التهاب المفاصل التنكسي **(Osteoarthritis)، وهو أحد أكثر الأمراض العضلية الهيكلية شيوعًا بين الأشخاص الذين يعانون من السمنة.

2. تغيرات هرمونية تؤثر على صحة العظام

الدهون الزائدة في الجسم ليست مجرد “مخزن طاقة”، بل هي أيضًا نسيج نشط بيولوجيًا يفرز هرمونات وفيروسات التهابية تُعرف بأنها **سيتوكينات الالتهاب **(Pro-inflammatory Cytokines). هذه المواد تؤثر سلبًا على صحة العظام عبر عدة آليات:

  • زيادة معدل إعادة امتصاص العظام : حيث تعمل الخلايا المسماة “الخلايا العظمية” (Osteoclasts) على تكسير العظام بشكل مفرط.
  • تخفيض قدرة العظام على التجدد : عبر تقليل نشاط الخلايا المسؤولة عن بناء العظام الجديدة (Osteoblasts).
  • التداخل مع فيتامين D : حيث تمتص الدهون الزائدة في الجسم جزءًا من فيتامين D المتاح، مما يقلل من توفره للعظام.

كل هذه العوامل تساهم في انخفاض كثافة العظام وضعف قوتها ، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور حتى عند تعرضها لأدنى الصدمات.

3. تأثير السمنة على عملية التئام الكسور

ليس فقط من حيث التعرض للكسور، بل حتى بعد حدوث الكسر، فإن عملية التئام العظام تكون أبطأ وأكثر تعقيدًا لدى الأشخاص المصابين بالسمنة . وذلك بسبب:

  • ضعف الدورة الدموية في المناطق المحيطة بالعظام.
  • زيادة الالتهابات المحلية بعد الكسر أو العمليات الجراحية.
  • صعوبة الوصول الجراحي إلى مكان الكسر بسبب النسيج الدهني الزائد.

كل هذا يطيل فترة التعافي، ويزيد من احتمالية حدوث مضاعفات مثل التهابات ما بعد الجراحة أو عدم التئام الكسر بشكل صحيح.

هل تختلف تأثيرات السمنة على العظام باختلاف العمر؟

نعم، وتختلف الآثار حسب مرحلة العمر، فتأثير السمنة على العظام لدى الأطفال والشباب يختلف عن تأثيرها لدى البالغين أو كبار السن.

– لدى الأطفال والمراهقين:

  • السمنة في هذه المرحلة قد تؤثر على نمو العظام والهيكل العظمي بشكل عام .
  • قد تؤدي إلى تأخر في النمو الطولي أو حدوث تشوهات في شكل الأطراف.
  • كما أنها تزيد من خطر الإصابة بكسر في العظام خلال اللعب أو النشاط البدني .

– لدى البالغين:

  • يزيد الوزن الزائد من خطر الإصابة بالتهاب المفاصل التنكسي ، خاصة في الركبتين والعمود الفقري.
  • كما تزيد فرص الإجهاد المزمن على العمود الفقري ، مما يؤدي إلى انحناءات غير طبيعية أو انزلاق غضروفي.

– لدى كبار السن:

  • يصبح العظم أصلاً أكثر هشاشة بسبب **الشيخوخة ونقص كثافة العظام **(هشاشة العظام).
  • السمنة هنا تضيف عبئًا إضافيًا، مما يزيد من خطر السقوط والإصابة بكسر في الحوض أو العمود الفقري ، وهي إصابات قد تكون مميتة في بعض الحالات.

كيف تؤثر السمنة على العمود الفقري تحديدًا؟

العمود الفقري هو واحد من أكثر أجزاء الجسم تأثرًا بالسمنة، خاصة إذا كان الوزن الزائد متركزًا في منطقة البطن (السمنة المركزية).

المشاكل المحتملة:

  • انحناءات غير طبيعية في الظهر مثل انحناء أمامي (Lordosis).
  • ضغط زائد على الفقرات ، مما يؤدي إلى الألم المزمن في الظهر.
  • انزلاق الغضروف بين الفقرات نتيجة الضغط المستمر.
  • زيادة خطر الإصابة بتضيق القناة الشوكية ، مما يؤثر على الأعصاب ويزيد من الآلام.

كيف يمكن تحسين صحة العظام لدى الأشخاص المصابين بالسمنة؟

رغم أن السمنة تشكل تهديدًا كبيرًا لصحة العظام، إلا أن هناك خطوات عملية يمكن اتباعها للحد من تأثيراتها السلبية وتحسين صحة الجهاز العضلي الهيكلي.

1. التحكم في الوزن بطريقة صحية

إن فقدان الوزن ببطء وثبات، وليس بشكل سريع، هو أفضل طريقة لتخفيف الضغط على العظام والمفاصل. كل كيلوجرام يتم فقدانه يقلل العبء على الركبتين بمعدل 4 كجم أثناء المشي.

2. النشاط البدني المنتظم

التمارين الرياضية تلعب دورًا مزدوجًا:

  • تساعد في إنقاص الوزن.
  • تقوي العضلات المحيطة بالعظام، مما يحميها ويساعد في دعمها.
  • تحسن من توازن الجسم، مما يقلل من خطر السقوط.

ومن التمارين المناسبة:

  • المشي
  • السباحة
  • اليوجا
  • تمارين المقاومة الخفيفة

3. تناول نظام غذائي غني بالعناصر الداعمة للعظام

مثل:

  • الكالسيوم : موجود في الحليب ومنتجاته، الأسماك الدهنية، والخضروات الورقية.
  • فيتامين D : يتوفر في الأسماك الدهنية، صفار البيض، وتحت أشعة الشمس.
  • المغنيسيوم والفسفور : ضروريان لبناء العظام.

4. تجنب العادات الضارة

مثل:

  • التدخين: يقلل من تدفق الدم إلى العظام.
  • الكحول: يؤثر سلبًا على توازن المعادن في الجسم.
  • الجلوس لفترات طويلة: يزيد من الضغط على العمود الفقري.

5. الفحص الدوري عند الطبيب

إجراء فحوصات دورية لقياس كثافة العظام (Bone Density Test)، وتحليل مستويات فيتامين D والكالسيوم في الدم، يساعد في الكشف المبكر عن أي تغيرات غير طبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى